فصل: فيمَنْ اغْتَصَبَ مِنْ رَجُلٍ طَعَامًا أَوْ إدَامًا فَاسْتَهْلَكَهُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.فيمَنْ بَاعَ الْجَارِيَةَ فَأَقَرَّ أَنَّهُ اغْتَصَبَهَا مِنْ فُلَانٍ أَيُصَدَّقُ عَلَى الْمُشْتَرِي:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ بِعْتُ جَارِيَةً، ثُمَّ إنِّي أَقْرَرْت أَنِّي قَدْ غَصَبَتْهَا مَنْ فُلَانٍ، أَأُصَدَّقُ عَلَى الْمُشْتَرِي في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، إلَّا أَنِّي لَا أَرَى أَنْ يُصَدَّقَ عَلَيْهِ، وَأَرَاهُ ضَامِنًا لَقِيمَتِهَا لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ يَوْمَ غَصْبِهَا، إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمَغْصُوبُ أَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ فَذَلِكَ لَهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اغْتَصَبْت جَارِيَةً مِنْ رَجُلٍ فَبِعْتُهَا مَنْ رَجُلٍ، ثُمَّ لَقِيتُ الَّذِي اغْتَصَبْتهَا مِنْهُ فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْهُ، ثُمَّ أَرَدْت أَنْ آخُذَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنِّي؟
قَالَ: لَا أَرَى ذَلِكَ لَكَ، وَأَرَى بَيْعَكَ فيهَا جَائِزًا وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ قَبْلَ اشْتِرَائِكَ إيَّاهَا؛ لِأَنَّكَ إنَّمَا تَحَلَّلْتَ صَنِيعَكَ في الْجَارِيَةِ مِنْ الَّذِي اغْتَصَبْتَهَا مِنْهُ، فَكَأَنَّهُ أَخَذَ مِنْكَ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ حِينَ اشْتَرَيْتَهَا مِنْهُ وَلَسْتَ أَنْتَ في هَذَا كَغَيْرِكَ، وَأَرَى الْبَيْعَ الَّذِي كَانَ فيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ مُشْتَرِي الْجَارِيَةِ مِنْكَ جَائِزًا، لَيْسَ لَكَ أَنْ تَنْقُضَهُ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْقُضَ بَيْعَكَ إلَّا الْمَغْصُوبَ مِنْهُ الْجَارِيَةَ، أَوْ مُشْتَرِيَهَا مِنْكَ إنْ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْكَ إذَا عَلِمَ أَنَّهَا غَصْبٌ، وَكَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ غَائِبًا؛ لِأَنَّ رَبَّ الْجَارِيَةِ إنْ أَحَبَّ أَخْذَ جَارِيَتِهِ فَذَلِكَ لَهُ، وَيَكُونُ هَذَا نَقْضًا لِلْبَيْعِ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ الْغَاصِبُ، وَلِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنْ كَانَ رَبُّ الْجَارِيَةِ بَعِيدًا فَقَالَ: أَنَا أَرُدُّهَا وَلَا أَضْمَنُهَا، فيكُونُ رَبُّهَا عَلَيَّ بِالْخِيَارِ إذَا جَاءَ، فيكُونُ ذَلِكَ لَهُ وَهُوَ رَأْيِي.
وَإِنْ وَجَدَهَا رَبُّهَا عِنْدَ رَجُلٍ، فَبَاعَهَا مِنْ رَجُلٍ قَدْ رَآهَا وَقَدْ عَرَفَ شَأْنَهَا أَيْضًا مِنْ غَيْرِ الْغَاصِبِ، وَمِنْ غَيْرِ الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْ الْغَاصِبِ، فَهُوَ أَيْضًا نَقْضٌ لِبَيْعِ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْ رَبِّهَا، لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ الَّذِي اشْتَرَاهَا مِنْ الْغَاصِبِ.
قُلْت: فَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْجَارِيَةَ مَغْصُوبَةٌ، وَأَتَى رَبُّهَا فَقَالَ: قَدْ أَجَزْت الْبَيْعَ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: لَا أَقْبَلُ الْجَارِيَةَ؛ لِأَنَّهَا غُصِبَتْ.
قَالَ: يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ.
قَالَ: وَلَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَفْتَاتُ عَلَى الرَّجُلِ فيبِيعُ سِلْعَتَهُ وَهُوَ غَائِبٌ، فيعْلَمُ بِذَلِكَ الْمُشْتَرِي فيرِيدُ رَدَّهَا وَيَقُولُ بَائِعُهَا: أَنَا أَسَتَأْنِي رَأْيَ صَاحِبِهَا فيهَا.
قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا.
قَالَ: فَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ غَائِبًا كَانَ بِحَالِ مَنْ اُفْتِيتَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فَأَجَازَ الْبَيْعَ جَازَ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْبَى ذَلِكَ إذَا أَجَازَهُ رَبُّ السِّلْعَةِ، وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَرُدَّ إذَا كَانَ رَبُّ السِّلْعَةِ غَائِبًا؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَا أُوقِفُ جَارِيَةً في يَدِي أُنْفِقُ عَلَيْهَا وَصَاحِبُهَا عَلَيَّ بِالْخِيَارِ فيهَا. وَهَذَا رَأْيِي.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَقَمْت الْبَيِّنَةَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ غَصَبَنِي جَارِيَةً، وَالْجَارِيَةُ مُسْتَهْلَكَةٌ وَلَا يَعْرِفُ الشُّهُودُ مَا قِيمَتُهَا، أَيُقَالُ لَهُمْ: صِفُوهَا فيدْعَى لِصِفَتِهَا الْمُقَوِّمُونَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّهُ غُصِبَ مِنْهُ جَارِيَةٌ، وَلَا نَدْرِي الْجَارِيَةَ أَهِيَ الْمَغْصُوبَةُ مِنْهُ أَمْ لَا؟
قَالَ: إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ غَصَبَهَا مِنْهُ فَهِيَ عِنْدَنَا لَهُ، وَقَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ نَزَعَ هَذَا الثَّوْبَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ، غَصَبَهُ إيَّاهُ السَّاعَةَ، وَلَكِنْ قَالُوا: لَا نَدْرِي الثَّوْبُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَمْ لَا، أَمَا كُنْتَ تَرُدُّهُ عَلَيْهِ؟ فَالْأَمَةُ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ.

.(فيمَنْ غَصَبَ جَارِيَةً فَادَّعَى أَنَّهُ قَدْ اسْتَهْلَكَهَا):

فيمَنْ غَصَبَ جَارِيَةً فَادَّعَى أَنَّهُ قَدْ اسْتَهْلَكَهَا أَوْ قَالَ هَلَكَتْ فَاخْتَلَفَا في صِفَتِهَا:
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ غَصَبَنِي رَجُلٌ جَارِيَةً فَادَّعَى أَنَّهُ اسْتَهْلَكَهَا، أَوْ قَالَ: هَلَكَتْ الْجَارِيَةُ، فَاخْتَلَفْنَا في صِفَتِهَا أَنَا وَالْغَاصِبُ؟
قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ في الصِّفَةِ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِنْ أَتَى بِمَا لَا يُشْبِهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ الْجَارِيَةُ في الصِّفَةِ مَعَ يَمِينِهِ.
قُلْت: فَإِنْ ضَمِنَهَا قِيمَتَهَا، ثُمَّ ظَهَرَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَ الْغَاصِبِ بَعْدَ ذَلِكَ، أَيَكُونُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَهَا وَيَرُدَّ الْقِيمَةَ؟
قَالَ: إنْ عَلِمَ أَنَّ الْغَاصِبَ أَخْفَاهَا عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ جَارِيَتَهُ.
وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْغَاصِبُ حَلَفَ عَنْ صِفَتِهَا وَغَرِمَ قِيمَةَ تِلْكَ الصِّفَةِ، فَظَهَرَتْ الْجَارِيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ مُخَالِفَةً لِتِلْكَ الصِّفَةِ خِلَافًا بَيِّنًا، فيكُونُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ الْجَارِيَةُ أَنْ يَرُدَّ مَا أَخَذَ وَيَأْخُذَ جَارِيَتَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا وَحَبَسَ مَا أَخَذَ مِنْ قِيمَةِ جَارِيَتِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَحَدَهُ بَعْضَ الْقِيمَةِ، فَلِذَلِكَ رَجَعَ عَلَيْهِ بِاَلَّذِي جَحَدَهُ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: هَذَا رَأْيِي.
قَالَ: وَلَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ انْتَهَبَ مِنْ رَجُلٍ صُرَّةَ دَنَانِيرَ وَنَاسٌ يَنْظُرُونَ إلَيْهِ، فَادَّعَى الَّذِي اُنْتُهِبَتْ مِنْهُ أَنَّ فيهَا كَذَا وَكَذَا، وَقَالَ الَّذِي انْتَهَبَهَا: إنَّمَا فيهَا كَذَا وَكَذَا أَقَلُّ عَدَدًا مَنْ الَّذِي ادَّعَى الْمَنْهُوبَةَ مِنْهُ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْتَهَبِ مَعَ يَمِينِهِ، فَكَذَلِكَ هَذَا.

.(فيمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ غَصَبَهُ جَارِيَةً وَقَدْ وَلَدَتْ):

فيمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ غَصَبَهُ جَارِيَةً وَقَدْ وَلَدَتْ مِنْ الْغَاصِبِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ:
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَقَمْت الْبَيِّنَةَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ غَصَبَنِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ، وَقَدْ وَلَدَتْ أَوْلَادًا مِنْ الْغَاصِبِ أَوْ مَنْ غَيْرِ الْغَاصِبِ، أَيُقْضَى بِهَا وَبِوَلَدِهَا لِلَّذِي اسْتَحَقَّهَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَيُقَامُ عَلَى الْغَاصِبِ الْحَدُّ إذَا أَقَرَّ بِوَطْئِهَا، وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهِ مِنْهَا.
وَأَمَّا وَلَدُهَا مِنْ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ بِتَزْوِيجٍ أَوْ شِرَاءٍ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الَّذِي تَزَوَّجَهَا أَوْ اشْتَرَاهَا، وَيَكُونُ الْوَلَدُ في التَّزْوِيجِ رَقِيقًا لِسَيِّدِ الْجَارِيَةِ، وَيَكُونُ في الشِّرَاءِ عَلَى أَبِيهِمْ - قِيمَتُهُمْ يَوْمَ يَحْكُمُ فيهِمْ - إلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي تَزَوَّجَهَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ، فيكُونُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُمْ بِمَنْزِلَةِ الَّتِي تُغَرُّ مِنْ نَفْسِهَا أَنَّهَا حُرَّةٌ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى جَارِيَةً في سُوقِ الْمُسْلِمِينَ، فَأَعْتَقَهَا أَوْ وَلَدَتْ مِنْهُ أَوْلَادًا، فَأَتَى رَجُلٌ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ سُرِقَتْ مِنْهُ أَوْ غُصِبَتْ مِنْهُ، أَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ وَلَمْ يَشْهَدُوا عَلَى سَرِقَةٍ وَلَا غَصْبٍ، أَيَأْخُذُ الْجَارِيَةَ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: أَمَّا في الْعِتْقِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا عِنْدَ مَالِكٍ وَيَرُدَّهَا رَقِيقًا، وَأَمَّا إذَا وَلَدَتْ مِنْ الْمُشْتَرِي فَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فيهَا، وَأَحَبُّ قَوْلَيْهِ إلَيَّ أَنْ يَأْخُذَهَا وَيَأْخُذَ قِيمَةَ وَلَدِهَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ مَاتَتْ بَعْدَمَا وَلَدَتْ مِنْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ سَيِّدُهَا، فَأَتَى سَيِّدُهَا فَاسْتَحَقَّهَا وَهِيَ مَيِّتَةٌ، أَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا الْمُشْتَرِي أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَضْمَنُ قِيمَتَهَا إلَّا أَنْ يُدْرِكَهَا حَيَّةً، فيأْخُذَهَا وَيَأْخُذَ قِيمَةَ مَا أَدْرَكَ مِنْ وَلَدِهَا حَيًّا.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَضَيْت عَلَى الْمُشْتَرِي بِقِيمَةِ الْوَلَدِ، أَيُقْضَى لَهُ عَلَى بَائِعِهِ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا أَقْضِي عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ.
قُلْت: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا، وَمَا سَمِعْتُ مَالِكًا يَذْكُرُ أَنَّهُ يُقْضَى عَلَى الْبَائِعِ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ.

.غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ أَمَةً قِيمَتُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَبَاعَهَا الْغَاصِبُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اغْتَصَبَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ أَمَةً، وَقِيمَتُهَا يَوْمَ اغْتَصَبَهَا مِنْهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَزَادَتْ قِيمَتُهَا حَتَّى صَارَتْ تُسَاوِي أَلْفينِ، فَبَاعَهَا الْغَاصِبُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَذَهَبَ بِهَا الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَعْلَمْ بِمَوْضِعِهَا، أَيَكُونُ لِرَبِّهَا أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ أَيَّ الْقِيمَتَيْنِ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ وَأَخَذَ الثَّمَنَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَيْسَ لَهُ إلَّا قِيمَتُهَا يَوْمَ غَصْبِهَا أَوْ الثَّمَنُ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ في رَجُلٍ غَصَبَ رَجُلًا ثَوْبًا فَبَاعَهُ، فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ في سُوقِ الْمُسْلِمِينَ فَلَبِسَهُ الْمُشْتَرِي حَتَّى أَبْلَاهُ، ثُمَّ جَاءَ رَبُّهُ فَاسْتَحَقَّهُ: فَإِنَّهُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ الثَّوْبِ يَوْمَ لَبِسَهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ قِيمَةَ الثَّوْبِ يَوْمَ غَصْبِهِ إيَّاهُ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ قَدْ تَلِفَ، وَإِنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ وَأَخَذَ الثَّمَنَ.
فَالْغَاصِبُ لَا يُشْبِهُ مَنْ اشْتَرَى؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ لَوْ أَصَابَهُ عِنْدَهُ أَمْرٌ مِنْ اللَّهِ لَكَانَ ضَامِنًا، وَالْمُشْتَرِي لَوْ أَصَابَهُ عِنْدَهُ أَمْرٌ مِنْ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ضَامِنًا فَلَيْسَ عَلَى الْغَاصِبِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ أَوْ ثَمَنِهِ، وَلَوْ كَانَ يَكُونُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهَا يَوْمَ غَصْبِهَا، لَكَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ مَاتَتْ إذَا كَانَتْ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهَا يَوْمَ غَصْبِهَا، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إذَا مَاتَتْ في يَدَيْهِ أَوْ فَاتَتْ إلَّا قِيمَتُهَا يَوْمَ غَصْبِهَا، أَوْ ثَمَنُهَا إذَا كَانَ أَخَذَ لَهَا ثَمَنًا.

.فيمَنْ اغْتَصَبَ مِنْ رَجُلٍ طَعَامًا أَوْ إدَامًا فَاسْتَهْلَكَهُ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا اغْتَصَبَ مِنْ رَجُلٍ طَعَامًا أَوْ إدَامًا فَاسْتَهْلَكَهُ، مَاذَا عَلَيْهِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: عَلَيْهِ مِثْلُهُ في مَوْضِعِهِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ.
قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ لَقِيَهُ في غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي غَصَبَهُ فيهِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ في الْمَوْضِعِ الَّذِي لَقِيَهُ فيهِ شَيْئًا.
قُلْت: وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ في الْمَوْضِعِ الَّذِي لَقِيَهُ فيهِ قِيمَةُ الْإِدَامِ أَوْ الطَّعَامِ الَّذِي اسْتَهْلَكَهُ لَهُ، أَوْ يَأْخُذَ مِنْهُ قِيمَتُهُ في بِلَادِهِ حَيْثُ غَصَبَهُ.
قَالَ: لَا إنَّمَا لَهُ قَبْلَهُ طَعَامٌ أَوْ إدَامٌ، في الْمَوْضِعِ الَّذِي غَصَبَهُ فيهِ مِنْهُ، وَلَيْسَ لَهُ قَبْلَهُ قِيمَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ.

.فيمَنْ اسْتَهْلَكَ ثِيَابًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ عُرُوضًا مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ اسْتَهْلَكَ لَهُ ثِيَابًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ عُرُوضًا مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ؟
قَالَ: عَلَيْهِ قِيمَتُهُ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: فَإِنْ لَقِيَهُ بِغَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي اغْتَصَبَهُ فيهِ؟
قَالَ: عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ اغْتَصَبَهُ - قِيمَتُهُ في الْبِلَادِ الَّتِي غَصَبَهُ فيهَا - أَوْ يَأْخُذَهُ بِالْقِيمَةِ حِينَمَا وَجَدَهُ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: وَإِنَّمَا يُجْعَلُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ اغْتَصَبَهُ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قِيمَتِهِ إنْ كَانَتْ قَدْ زَادَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ نَقَصَتْ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اغْتَصَبَ حَيَوَانًا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ اغْتَصَبَهُ، فَلَسْتُ أَلْتَفِتُ إلَى نُقْصَانِ قِيمَةِ الْحَيَوَانِ أَوْ زِيَادَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ.

.فيمَنْ اسْتَهْلَكَ لِرَجُلٍ سَمْنًا أَوْ عَسَلًا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَهْلَكْت لِرَجُلٍ سَمْنًا أَوْ عَسَلًا في بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، فَلَمْ أَجِدْ لَهُ في الْمَوْضِعِ الَّذِي اسْتَهْلَكْته فيهِ سَمْنًا وَلَا عَسَلًا، أَيَكُونُ عَلِيّ قِيمَتُهُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ إلَّا مِثْلُهُ، تَأْتِي بِهِ ذَلِكَ لَك لَازِمٌ إلَّا أَنْ تَصْطَلِحَا عَلَى شَيْءٍ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ لِي: إنَّمَا عَلَيْهِ مِثْلُ مَا اسْتَهْلَكَ في الْمَوْضِعِ الَّذِي اسْتَهْلَكَهُ فيهِ.

.فيمَنْ اغْتَصَبَ جَارِيَةً فَأُعْوِرَتْ عِنْدَهُ أَوْ حَالَتْ أَسْوَاقُهَا أَوْ جُنِيَ عَلَيْهَا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ جَارِيَةً، فَأَصَابَهَا عِنْدَهُ عَوَرٌ أَوْ عَمًى أَوْ ذَهَابُ يَدٍ مَنْ السَّمَاءِ، ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَبُّهَا فَأَرَادَ سَيِّدُهَا أَنْ يَأْخُذَ الْجَارِيَةَ وَيَأْخُذَ مِنْ الْغَاصِبِ مَا نَقَصَهَا الْعَيْبُ؟
قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِعَيْنِهَا، وَلَا شَيْءَ لَهُ، أَوْ يَأْخُذَ مِنْ الْغَاصِبِ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصْبِهَا وَيُسَلِّمُ الْجَارِيَةَ.
قُلْت: لِمَ؟
قَالَ: لِأَنَّ الْغَاصِبَ كَانَ ضَامِنًا لَهَا يَوْمَ غَصْبِهَا، فَمَا أَصَابَهَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرٍ مِنْ السَّمَاءِ فَلَيْسَ الْغَاصِبُ بِضَامِنٍ لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ ضَامِنٌ لِلْقِيمَةِ الَّتِي كَانَ لَهَا ضَامِنًا بِالْغَصْبِ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَصَابَهَا لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ.
وَإِنَّمَا يَضْمَنُ قِيمَتَهَا أَنْ لَوْ مَاتَتْ.
فَأَمَّا إذَا أَصَابَهَا عَيْبٌ مِنْ ذَهَابِ عَيْنٍ أَوْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ الْعُيُوبِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ لِرَبِّهَا خُذْ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصْبَتِهَا، أَوْ خُذْ جَارِيَتَكَ وَلَا شَيْءَ لَكَ غَيْرُ ذَلِكَ.
قُلْت: فَإِنْ قَالَ الْغَاصِبُ: لَا أَغْرَمُ جَمِيعَ قِيمَتِهَا وَهَذِهِ الْجَارِيَةُ، فَخُذْهَا مِنِّي وَخُذْ مِنِّي مَا نَقَصَهَا الْعَيْبُ عِنْدِي، أَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ؟
قَالَ: لَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصْبِهَا إلَّا أَنْ يَرُدَّهَا صَحِيحَةً بِحَالِ مَا أَخَذَهَا.
قُلْت: فَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً يَوْمَ يَسْتَحِقُّهَا سَيِّدُهَا، إلَّا أَنَّ الْأَسْوَاقَ قَدْ حَالَتْ وَالْجَارِيَةُ لَمْ تَتَغَيَّرْ بِزِيَادَةِ بَدَنٍ وَلَا نُقْصَانِ بَدَنٍ، أَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا إذَا جَاءَ رَبُّهَا؟
قَالَ: لَا، وَلَا يُلْتَفَتُ في هَذَا إلَى حَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ، وَيُقَالُ لِرَبِّ الْجَارِيَةِ: خُذْ جَارِيَتَكَ وَلَا شَيْءَ لَكَ غَيْرَهَا، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ الْغَاصِبُ هُوَ الَّذِي قَطَعَ يَدَهَا، أَيَكُونُ لِرَبِّهَا أَنْ يُضَمِّنَهُ مَا نَقَصَهَا الْقَطْعُ، وَيَأْخُذَ جَارِيَتَهُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ؛ لِأَنَّ قَطْعَهُ يَدَهَا جِنَايَةٌ مِنْهُ وَإِنْ أَحَبَّ أَخَذَ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصْبِهَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ قَطَعَ يَدَهَا أَجْنَبِيٌّ مَنْ النَّاسِ فَهَرَبَ، فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ، فَأَتَى رَبُّهَا فَاسْتَحَقَّهَا، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ جَارِيَتَهُ وَيُضَمِّنَ الْغَاصِبَ مَا نَقَصَهَا؟
قَالَ: لَا، لَيْسَ لَهُ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ جَارِيَتَهُ وَيَتْبَعَ الْجَانِي إنْ أَحَبَّ، أَوْ يَأْخُذَ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصْبِهَا مِنْ الْغَاصِبِ، وَيَتْبَعُ الْغَاصِبُ الْجَانِي بِمَا جَنَى عَلَيْهَا.

.فيمَنْ اغْتَصَبَ مِنْ رَجُلٍ نَخْلًا أَوْ شَجَرًا فَأَثْمَرَتْ أَوْ غَنَمًا فَتَوَالَدَتْ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اغْتَصَبْت مِنْ رَجُلٍ نَخْلًا أَوْ شَجَرًا أَوْ غَنَمًا أَوْ إبِلًا، فَأَثْمَرَتْ الشَّجَرُ عِنْدِي وَتَوَالَدَتْ الْغَنَمُ أَوْ الْإِبِلُ، فَجَزَزْتُ أَصْوَافَهَا وَشَرِبْت أَلْبَانَهَا وَأَكَلْت سُمُونَهَا وَجُبْنَهَا، ثُمَّ قَدِمَ رَبُّهَا فَاسْتَحَقَّهَا، أَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَنِي مَا أَكَلْتُ مِنْ ذَلِكَ، وَيَأْخُذَهَا مِنِّي بِأَعْيَانِهَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ، فَعَلَيْهِ مِثْلُ مَكِيلَتِهِ أَوْ وَزْنِهِ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَتْ قَدْ مَاتَتْ، أَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَنِي قِيمَتَهَا وَقِيمَةَ مَا أَكَلْتُ مِنْهَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا؛ لِأَنَّهُ بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا غَصَبَ دَابَّةً أَوْ جَارِيَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ أَوْلَادًا، ثُمَّ هَلَكَتْ الْأُمُّ، فَأَرَادَ رَبُّهَا أَنْ يَأْخُذَ وَلَدَهَا وَقِيمَةُ الْأُمِّ مِنْهُ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ.
وَإِنَّمَا لَهُ قِيمَةُ الْأُمِّ وَيُسَلِّمُ الْأَوْلَادَ أَوْ يَأْخُذَ الْأَوْلَادَ، وَلَا قِيمَةَ لَهُ في الْأُمَّهَاتِ.
فَكَذَلِكَ مَا أَكَلَ أَوْ بَاعَ إذَا مَاتَتْ أُمَّهَاتُهَا، فَإِنَّمَا لَهُ قِيمَةُ أُمَّهَاتِهَا أَوْ الثَّمَنُ الَّذِي بَاعَ بِهِ، أَوْ قِيمَةُ مَا أَكَلَ.
بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَجَدَ أَوْلَادَهَا وَقَدْ هَلَكَتْ أُمَّهَاتُهَا، فَمَا أَكَلَ أَوْ بَاعَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَوْلَادِ إذَا وَجَدَهُمْ، وَهُوَ رَأْيِي الَّذِي آخُذُ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُغْتَصِبَ بَاعَهَا مِنْ رَجُلٍ فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ، ثُمَّ هَلَكَتْ أُمَّهَاتُهَا فَأَتَى رَبُّهَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَوْلَادَهَا، وَقِيمَةَ الْأُمِّ مِنْ الْمُغْتَصِبِ؟ وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْأَوْلَادَ، وَيَتْبَعُ الْمُغْتَصِبُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ، أَوْ يَأْخُذُ الثَّمَنَ مِنْ الْغَاصِبِ، أَوْ قِيمَتَهَا يَوْمَ غَصْبِهَا وَيَتْرُكُ الْوَلَدَ في يَدَيْ الْمُشْتَرِي، وَلَا يَجْتَمِعُ عَلَى الْمُغْتَصِبِ قِيمَتُهَا وَيُتْبَعُ بِالثَّمَنِ.
فَالْمُغْتَصِبُ في مَوْتِ أُمَّهَاتِهَا وَمَنْ مَاتَتْ عِنْدَهُ مِمَّنْ اشْتَرَاهَا مِنْ الْمُغْتَصِبِ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٌ.
إذَا مَاتَتْ أُمَّهَاتُهَا، وَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ وَبَلَغَنِي مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ مِمَّنْ أَثِقُ بِهِ.
قُلْت: وَهَذِهِ النَّخْلُ وَهَذِهِ الشَّجَرُ وَهَذَا الْحَيَوَانُ الَّذِي غَصَبْتُهُ فَأَكَلْتُ ثَمَرَتَهُ، إنْ كُنْتُ قَدْ سَقَيْتُهُ وَعَالَجْتُهُ وَعَمِلْتُ فيهِ وَرَعَيْتُ الْغَنَمَ وَأَنْفَقْتُ عَلَيْهَا في رِعَايَتِهَا وَمَصْلَحَتِهَا، أَيَكُونُ مَا أَنْفَقْتُ في ذَلِكَ لِي؟
قَالَ: لَا شَيْءَ لَكَ فيمَا أَنْفَقْتَ عَلَى النَّخْلِ، وَلَا فيمَا رَعَيْتَ الْغَنَمَ، وَلَكِنْ يَكُونُ ذَلِكَ لَكَ فيمَا عَلَيْكَ مِنْ قِيمَةِ الْغَلَّةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا أَنْفَقْتَ أَكْثَرَ مِمَّا اغْتَنَمْتَ.
أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلًا سَرَقَ دَابَّةً فَحَلَبَهَا أَشْهُرًا وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا، ثُمَّ أَتَى رَبُّهَا فَاسْتَحَقَّهَا، أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ فيمَا عَلِفَ وَسَقَى، وَكَذَلِكَ الْغَاصِبُ.
قُلْت: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا، وَلَكِنْ هَذَا رَأْيِي.

.فيمَنْ غَصَبَ دُورًا وَرَقِيقًا وَدَوَابَّ فَاسْتَحَقَّ ذَلِكَ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الدُّورَ وَالْعَبِيدَ إذَا غَصَبَهُمْ رَجُلٌ زَمَانًا، وَالْأَرْضِينَ فَاكْتَرَى ذَلِكَ كُلَّهُ، أَوْ زَرَعَ الْأَرْضَ أَوْ سَكَنَ أَوْ لَمْ يَسْكُنْ، وَلَمْ يُكْرِ وَلَمْ يَزْرَعْ الْأَرْضَ، فَأَتَى رَجُلٌ فَاسْتَحَقَّ أَنَّهُ غَصَبَهَا مِنْهُ وَكَذَا وَكَذَا سَنَةٍ، أَيَكُونُ لَهُ عَلَى الْغَاصِبِ كِرَاءُ هَذِهِ الدُّورِ وَهَذِهِ الْأَرْضِينَ وَهَؤُلَاءِ الْعَبِيدِ هَذِهِ السِّنِينَ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في الرَّجُلِ يَغْتَصِبُ الرَّجُلُ الدَّابَّةَ فَتُقِيمُ عِنْدَهُ أَشْهُرًا فيسْتَعْمِلُهَا: أَنَّهُ لَا كِرَاءَ عَلَيْهِ فيهَا، فَكَذَلِكَ الْعَبِيدُ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْحَيَوَانِ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَأَمَّا الدُّورُ وَالْأَرْضُونَ، فَإِنْ كَانَ زَرَعَهَا أَوْ سَكَنَهَا فَإِنَّ عَلَيْهِ كِرَاءَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَكَنَ وَلَا أَكْرَى وَلَا زَرَعَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الْكِرَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.
قَالَ سَحْنُونٌ وَقَدْ رَوَى عَلِيٌّ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْغَلَّةِ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَهُوَ أَحْسَنُ، وَإِنْ كَانَ أَكْرَاهَا غَرِمَ مَا أَخَذَ مِنْ الْكِرَاءِ، بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ سَكَنَ أَوْ زَرَعَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْعَبْدَ إنْ كَانَ اسْتَخْدَمَهُ، أَيَكُونُ عَلَيْهِ كِرَاؤُهُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا كِرَاءَ عَلَيْهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْعَاقِلَةَ، هَلْ تَحْمِلُ دِيَةَ الْعَبْدِ إذَا قَتَلَهُ رَجُلٌ عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ دِيَةَ الْعَبْدِ خَطَأً كَانَ أَوْ عَمْدًا عِنْدَ مَالِكٍ.

.فيمَنْ اغْتَصَبَ دَارًا فَلَمْ يَسْكُنْهَا وَانْهَدَمَتْ مِنْ غَيْرِ سُكْنَى:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اغْتَصَبْت دَارًا فَلَمْ أَسْكُنْهَا، فَانْهَدَمَتْ مِنْ غَيْرِ سُكْنَايَ، أَأَضْمَنُ قِيمَتَهَا في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: نَعَمْ، تَضْمَنُ قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فيمَنْ غَصَبَ دَابَّةً أَوْ غُلَامًا فَمَاتَ عِنْدَهُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، فَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ، فَكَذَلِكَ الدَّارُ.
قُلْت: أَفيكُونُ عَلَيَّ كِرَاءُ الدَّارِ لِلسِّنِينَ الَّتِي اغْتَصَبْتُهَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا.
قَالَ: وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ السَّارِقِ يَسْرِقُ الدَّابَّةَ فيسْتَعْمِلُهَا، فيرِيدُ رَبُّهَا أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُ وَيَأْخُذَ كِرَاءَ مَا اسْتَعْمَلَهَا فيهِ؟
قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى ذَلِكَ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ إلَّا دَابَّتُهُ إذَا كَانَتْ عَلَى حَالِهَا.
فَإِذَا كَانَ قَدْ أَعْجَفَهَا أَوْ نَقَصَهَا فَرَبُّهَا مُخَيَّرٌ، إنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَ قِيمَتَهَا فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَهَا مَعِيبَةً فَذَلِكَ لَهُ.
قَالَ: فَقُلْت لَهُ: فَإِنْ كَانَتْ أَسْوَاقُهَا قَدْ اخْتَلَفَتْ وَهِيَ عَلَى حَالِهَا فَأَرَادَ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهَا يَوْمَ سَرَقَهَا؟
قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ إذَا وَجَدَهَا عَلَى حَالِهَا فَلَيْسَ لَهُ إلَّا دَابَّتُهُ.

.فيمَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً أَوْ أَكْثَرَ فَتَعَدَّى عَلَيْهَا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَعَارَهَا مِنِّي إلَى مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ فَتَعَدَّى عَلَيْهَا، أَيَكُونُ عَلَيْهِ كِرَاءُ مَا تَعَدَّى إلَيْهِ في قَوْلِ مَالِكٍ وَآخُذُ دَابَّتِي؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ، إنْ كَانَ تَعَدِّيهِ ذَلِكَ تَعَدِّيًا بَعِيدًا، كَانَ رَبُّ الدَّابَّةِ بِالْخِيَارِ في قِيمَةِ دَابَّتِهِ يَوْمَ تَعَدَّى، أَوْ في كِرَاءِ مَا تَعَدَّى فيهِ وَيَأْخُذُ دَابَّتَهُ.
قُلْت: فَإِنْ رَدَّهَا بِحَالِهَا أَوْ أَحْسَنَ حَالًا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَ رَدَّهَا بِحَالِهَا أَوْ أَحْسَنَ حَالًا فَذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَبَسَهَا عَنْ أَسْوَاقِهَا وَمَنَافِعِهَا.
قُلْت: وَكَذَلِكَ الْكِرَاءُ إذَا تَعَدَّى فيهِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: الْكِرَاءُ وَالْعَارِيَّةُ إذَا تَعَدَّى فيهِمَا في قَوْلِ مَالِكٍ فَهُمَا سَوَاءٌ، الْقَوْلُ فيهِمَا وَاحِدٌ عِنْدَ مَالِكٍ.
قَالَ: فَقُلْنَا لِمَالِكٍ: إذَا كَانَ تَعَدِّيهِ في الْكِرَاءِ مِثْلَ الْأَمْيَالِ أَوْ الْبَرِيدِ أَوْ الْيَوْمِ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ، ثُمَّ أَتَى بِهَا وَهِيَ عَلَى حَالِهَا، فَأَرَادَ رَبُّهَا أَنْ يُلْزِمَهُ قِيمَتَهَا؟
قَالَ: لَا أَرَى ذَلِكَ لَهُ إلَّا أَنْ تَعْطَبَ فيهِ، وَلَيْسَ لَهُ إلَّا كِرَاءُ مَا تَعَدَّى عَلَيْهَا إذَا أَتَى بِهَا عَلَى حَالِهَا.
قُلْت: فَإِنْ أَصَابَهَا في ذَلِكَ الْبَرِيدِ الَّذِي تَعَدَّى فيهِ عَيْبٌ، أَيَكُونُ لِرَبِّ الدَّابَّةِ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ الدَّابَّةِ؟
قَالَ: نَعَمْ، إذَا كَانَ عَيْبًا مُفْسِدًا.
وَإِنْ كَانَ الْعَيْبَ الْيَسِيرَ، فَأَرَى ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَعَدَّى عَلَى بَهِيمَةِ رَجُلٍ فَضَرَبَهَا.
وَإِنْ كَانَ عَيْبًا يَسِيرًا فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا، وَإِنْ كَانَ عَيْبًا مُفْسِدًا لَزِمَهُ جَمِيعُ قِيمَتِهَا وَأَخْذُهَا؛ لِأَنَّ مَالِكًا لَمْ يَرَ الْبَرِيدَ وَمَا أَشْبَهَهُ تَعَدِّيًا يَضْمَنُ بِتَعَدِّيهِ بِذَلِكَ قِيمَتَهَا إذَا رَدَّهَا عَلَى حَالِهَا، وَإِنَّمَا ضَمِنَهُ إذَا عَطِبَتْ في ذَلِكَ التَّعَدِّي.
فَهُوَ في هَذَا الْبَرِيدِ إذَا تَعَدَّى فَأَصَابَهَا فيهِ عَيْبٌ، بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ تَعَدَّى عَلَى دَابَّةِ رَجُلٍ، فَبَقَرَهَا أَوْ ضَرَبَهَا.
لِأَنَّهُ حِينَ تَعَدَّى هَذَا الْبَرِيدَ لَمْ يَضْمَنْ قِيمَتَهَا بِالتَّعَدِّي سَاعَةَ تَعَدَّى، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ مَا حَدَثَ فيهَا مِنْ عَيْبٍ.
قُلْت: فَمَا الْفَرْقُ مَا بَيْنَ الْغَاصِبِ وَالسَّارِقِ يَسْرِقُ الدَّابَّةَ فيسْتَعْمِلُهَا، وَيُرِيدُ رَبُّهَا أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُ وَيَأْخُذَ كِرَاءَ مَا اسْتَعْمَلَهَا فيهِ؟
قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ إلَّا دَابَّتُهُ إذَا كَانَتْ عَلَى حَالِهَا.
فَإِذَا كَانَ أَعْجَفَهَا أَوْ نَقَصَهَا، فَرَبُّهَا مُخَيَّرٌ، إنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَ قِيمَتَهَا فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَهَا مَعِيبَةً فَذَلِكَ لَهُ قَالَ: فَقُلْت لَهُ: فَمَا فَرْقُ مَا بَيْنَ الْغَاصِبِ وَالسَّارِقِ وَبَيْنَ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُتَكَارِي؟
قُلْت في الْمُتَكَارِي وَالْمُسْتَعِيرِ: إنَّهُ إذَا رَدَّ الدَّابَّةَ وَقَدْ تَعَدَّى عَلَيْهَا فَأَصَابَهَا الْعَيْبُ، إنَّ رَبَّ الدَّابَّةِ مُخَيَّرٌ في أَنْ يَأْخُذَ الدَّابَّةَ بِعَيْنِهَا وَيَأْخُذَ كِرَاءَهَا، وَبَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُتَكَارِي وَالْمُسْتَعِيرَ قِيمَتَهَا يَوْمَ تَعَدَّى عَلَيْهَا.
وَإِنْ رَدَّهَا صَحِيحَةً وَكَانَ تَعَدِّيهِ ذَلِكَ بِبَرِيدٍ وَمَا أَشْبَهَهُ، وَلَكِنْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ أَيْضًا إنْ شَاءَ قِيمَتَهَا يَوْمَ تَعَدَّى عَلَيْهَا، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ دَابَّتَهُ وَأَخَذَ كِرَاءَهَا.
وَقُلْت في السَّارِقِ وَالْغَاصِبِ: إنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْكِرَاءَ، إنَّمَا لِرَبِّ الدَّابَّةِ أَنْ يَأْخُذَ دَابَّتَهُ إذَا وَجَدَهَا بِعَيْنِهَا، وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ بِحَالِهَا يَوْمَ غُصِبَتْ أَوْ سُرِقَتْ.
وَإِنْ كَانَتْ أَسْوَاقُهَا قَدْ حَالَتْ، فَلَيْسَ لَهُ إلَّا دَابَّتُهُ مُعَيَّنَةً أَوْ قِيمَتُهَا يَوْمَ غَصَبَهَا أَوْ سَرَقهَا، وَلَا كِرَاءَ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ عَلَى السَّارِقِ وَالْغَاصِبِ في وَاحِدٍ مِنْ الْوَجْهَيْنِ كِرَاءٌ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ في الْمُتَكَارِي: إذَا حَبَسَهَا عَنْ أَجَلِهَا الَّذِي تَكَارَاهَا لَهُ، كَانَ عَلَيْهِ كِرَاءُ مَا حَبَسَهَا فيهِ، وَإِنْ لَمْ يَرْكَبْهَا وَهِيَ عَلَى حَالِهَا قَائِمَةً عَلَى مَدَاوِدِهَا، وَإِنْ كَانَ حَبَسَهَا عَنْ أَسْوَاقِهَا فَلِرَبِّهَا أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهَا يَوْمَ حَبَسَهَا.
قَالَ: وَقَالَ لِي مَالِكٌ في السَّارِقِ إذَا سَرَقَهَا فَحَبَسَهَا عَنْ أَسْوَاقِهَا وَمَنَافِعِهَا، فَوَجَدَهَا صَاحِبُهَا عَلَى حَالِهَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى سَارِقِهَا قِيمَةٌ وَلَا كِرَاءٌ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا دَابَّتُهُ بِعَيْنِهَا. فَهَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا عِنْدَ مَالِكٍ. وَالْمُغْتَصِبُ بِمَنْزِلَةِ السَّارِقِ، وَالْمُسْتَعِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَكَارِي.
وَلَوْلَا مَا قَالَ مَالِكٌ، لَجَعَلْتُ عَلَى السَّارِقِ مِثْلَ مَا أَجْعَلُ عَلَى الْمُتَكَارِي مِنْ كِرَاءِ رُكُوبِهِ إيَّاهَا، وَأُضَمَّنُهُ قِيمَتَهَا إذَا حَبَسَهَا عَنْ أَسْوَاقِهَا، وَلَكِنِّي أَخْبَرْتُكَ بِقَوْلِ مَالِكٍ فيهَا، وَهُوَ الَّذِي آخُذَ بِهِ فيهَا.
وَلَقَدْ قَالَ جُلُّ النَّاسِ: إنَّمَا السَّارِقُ وَالْمُسْتَعِيرُ وَالْغَاصِبُ وَالْمُتَكَارِي بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، لَا كِرَاءَ عَلَيْهِمْ وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ إلَّا الْقِيمَةُ، أَوْ يَأْخُذُ دَابَّتَهُ. فَكَيْفَ يَجْعَلُ عَلَى الْمُغْتَصِبِ وَالسَّارِقِ كِرَاءً؟
قُلْت لَهُ: أَرَأَيْتَ الْأَرْضَ وَالدُّورَ، أَلَيْسَ قَدْ قَالَ مَالِكٌ في الْأَرْضِ: إذَا غَصَبَهَا رَجُلٌ فَزَرَعَهَا إنَّ عَلَيْهِ كِرَاءَهَا وَيَرُدُّهَا؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: وَالدُّورُ عِنْدَ مَالِكٍ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ إنْ سَكَنَهَا الَّذِي غَصَبَهَا، فَعَلَيْهِ كِرَاءُ مَا سَكَنَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَالدَّابَّةُ إذَا سَرَقَهَا فَرَكِبَهَا، لِمَ قُلْت لَا كِرَاءَ عَلَيْهِ فيهَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟ فَمَا فَرْقُ مَا بَيْنَ الدَّابَّةِ وَالدُّورِ وَالْأَرْضِينَ؟
قَالَ: كَذَلِكَ سَمِعْنَا مِنْ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ، لَوْ أَنَّ رَجُلًا سَرَقَهَا فَحَبَسَهَا حِينًا فَأَنْفَقَ عَلَيْهَا وَكَبِرَتْ الدَّابَّةُ - وَالْجَارِيَةُ وَالْغُلَامُ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ - فَاسْتَحَقَّهُمْ صَاحِبُهُمْ، أَنَّهُ يَأْخُذُهُمْ بِزِيَادَتِهِمْ وَلَا نَفَقَةَ لِمَنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ في طَعَامِهِمْ وَلَا كُسْوَتِهِمْ وَلَا عَلُوفَةِ الدَّوَابِّ وَإِنَّ الدُّورَ لَوْ أَحْدَثَ فيهَا عَمَلًا، وَالْأَرْضَ، ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهَا فَاسْتَحَقَّهَا، أَخَذَ الْغَاصِبُ مَا كَانَ لَهُ فيهَا، وَلِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وُجُوهٌ تَنْصَرِفُ.

.فيمَنْ سَرَقَ دَابَّةً مِنْ رَجُلٍ فَأَكْرَاهَا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ سَرَقَ رَجُلٌ دَابَّةً فَأَكْرَاهَا، فَاسْتَحَقَّهَا رَبُّهَا بَعْدَمَا رَكِبَهَا الْمُتَكَارِي وَأَخَذَ السَّارِقُ كِرَاءَهَا، أَيَكُونُ لِرَبِّ الدَّابَّةِ أَنْ يَأْخُذَ دَابَّتَهُ، وَيَأْخُذَ كِرَاءَهَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟ وَكَيْفَ إنْ كَانَ السَّارِقُ حَابَى في الْكِرَاءِ، أَيَضْمَنُ مَا حَابَى بِهِ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: سَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ السَّارِقِ يَسْرِقُ الدَّابَّةَ، فيجِدُهَا صَاحِبُهَا عِنْدَهُ وَقَدْ نَقَصَهَا وَاسْتَعْمَلَهَا، مَاذَا تَرَى لَهُ فيهَا؟
قَالَ: أَرَى لَهُ قِيمَتَهَا يَوْمَ سَرَقَهَا.
قُلْت لِمَالِكٍ: فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهَا وَكِرَاءَ مَا اسْتَعْمَلَهَا فيهِ؟
قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، فَأَرَى أَنْ يَأْخُذَ دَابَّتَهُ، وَلَا كِرَاءَ لَهُ إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ لَمْ تَتَغَيَّرْ عَنْ حَالِهَا.
وَإِنْ كَانَتْ قَدْ نَقَصَتْ كَانَ عَلَى السَّارِقِ قِيمَتُهَا يَوْمَ سَرَقَهَا، وَلَا كِرَاءَ لِصَاحِبِهَا فيمَا أَكْرَاهَا بِهِ السَّارِقُ؛ لِأَنِّي لَوْ جَعَلْتُ لِصَاحِبِهَا كِرَاءً، لَجَعَلْتُ لَهُ فيمَا اسْتَعْمَلَهَا السَّارِقُ كِرَاءً؛ لِأَنَّهُ كَانَ ضَامِنًا لَهَا، وَلَجَعَلْتُ لِلسَّارِقِ في قِيَامِهِ عَلَيْهَا عَلَى رَبِّهَا كِرَاءً، وَأَعْطَيْتُهُ نَفَقَتَهُ الَّتِي أَنْفَقَ عَلَيْهَا.
وَلَا يُشْبِهُ الْحَيَوَانُ الدُّورَ وَلَا الْأَرْضِينَ فيمَا سُكِنَ أَوْ زُرِعَ، وَإِنَّمَا الدُّورُ وَالْأَرْضُونَ فيمَا سُكِنَ أَوْ زُرِعَ، بِمَنْزِلَةِ مَا أَكَلَ الْغَاصِبُ أَوْ لَبِسَ، وَهَذَا رَأْيِي في السَّارِقِ.
وَالسَّارِقُ وَالْغَاصِبُ مُخَالِفَانِ لَلْمُكَارِي وَلِلْمُسْتَعِيرِ، وَقَدْ وَصَفْتُ لَكَ ذَلِكَ.

.فيمَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً أَوْ اكْتَرَاهَا فَتَعَدَّى عَلَيْهَا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَعَرْت دَابَّةَ رَجُلٍ أَوْ اكْتَرَيْتهَا إلَى مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ، فَتَعَدَّيْتُ عَلَيْهَا فَنَفَقَتْ الدَّابَّةُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: رَبُّ الدَّابَّةِ مُخَيَّرٌ في أَنْ يَأْخُذَ مِنْكَ قِيمَةَ دَابَّتِهِ يَوْمَ تَعَدَّيْتَ عَلَيْهَا، أَوْ يَأْخُذَ مِنْكَ كِرَاءَ مَا تَعَدَّيْتَ بِهِ عَلَيْهَا، وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ قِيمَةِ الدَّابَّةِ.
فَإِنْ كَانَ إنَّمَا أَكْرَاهَا مِنْهُ فَتَعَدَّى عَلَيْهَا فَمَاتَتْ، فَإِنَّ رَبَّ الدَّابَّةِ مُخَيَّرٌ في أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ قِيمَتَهَا يَوْمَ تَعَدَّى عَلَيْهَا، أَوْ الْكِرَاءَ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي رَكِبَ مِنْهُ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي تَعَدَّى فيهِ، وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ فيمَا رَكِبَهَا في حَالِ تَعَدِّيهِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ.
وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ كِرَاءَهَا إلَى الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ الَّذِي تَعَدَّى، وَكِرَاءَ مَا تَعَدَّى، وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ قِيمَةِ الدَّابَّةِ فَذَلِكَ لَهُ.
قَالَ: وَلَقَدْ سَأَلَ رَجُلٌ مَالِكًا - وَأَنَا عِنْدَهُ - عَنْ رَجُلٍ اسْتَعَارَ دَابَّةً لِيُشَيِّعَ عَلَيْهَا الْحَاجَّ إلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ، فَلَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ تَنَحَّى قَرِيبًا مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، فَنَزَلَ ثُمَّ رَجَعَ فَنَفَقَتْ الدَّابَّةُ في رُجُوعِهِ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تَنَحَّى إلَيْهِ مَنْزِلًا مِنْ مَنَازِلِ النَّاسِ الَّتِي يَنْزِلُونَهَا مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ تَعَدَّى مَنَازِلَ النَّاسِ فَأَرَاهُ ضَامِنًا.

.فيمَنْ وَهَبَ لِرَجُلٍ طَعَامًا أَوْ ثِيَابًا أَوْ إدَامًا فَأَتَى رَجُلٌ فَاسْتَحَقَّ ذَلِكَ وَقَدْ أَكَلَهُ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ وَهَبْت لِرَجُلٍ طَعَامًا أَوْ ثِيَابًا أَوْ إدَامًا، فَأَتَى رَجُلٌ فَاسْتَحَقَّ ذَلِكَ - وَقَدْ أَكَلَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَوْ لَبِسَ الثِّيَابَ فَأَبْلَاهَا - فَضَمَّنَهُ الْمُسْتَحِقُّ قِيمَةَ مَا أَبْلَى أَوْ أَكَلَ، أَيَكُونُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَاهِبِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: إنَّمَا يَكُونُ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ في هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَبَدًا إذَا كَانَ الْوَاهِبُ عَدِيمًا لَا شَيْءَ لَهُ، أَوْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَاهِبِ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ الْوَاهِبُ مَلِيًّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَإِنَّمَا لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يُضَمِّنَ ذَلِكَ الْوَاهِبَ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ الْوَاهِبُ عَدِيمًا، فَضَمَّنَ الْمُسْتَحِقُّ الْمَوْهُوبَ لَهُ، أَيَكُونُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَاهِبِ بِذَلِكَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا أَقُومُ عَلَى حِفْظِ قَوْلِ مَالِكٍ في هَذَا، وَلَا أَرَى ذَلِكَ لَهُ.